هل يجوز مراقبة الموبايل أو السوشيال ميديا قانونًا؟

في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي والمكالمات الهاتفية جزءًا أساسيًا من حياة كل فرد، تزداد الأسئلة القانونية حول مدى جواز مراقبة الموبايل أو حسابات السوشيال ميديا، خصوصًا في ظل ما تشهده مصر من توسّع في استخدام الإنترنت ووسائل الاتصالات.

لكن، هل يحق لأي جهة أو شخص الاطلاع على محتوى الموبايل أو مراقبة الحسابات الخاصة؟ وهل يُعد ذلك جريمة؟

هذا المقال يوضح الموقف القانوني المصري بشكل مفصل، استنادًا إلى الدستور والقوانين السارية، وبأسلوب مبسط يفهمه القارئ العادي والمتخصص.


أولًا: حماية الخصوصية في الدستور المصري

ينص الدستور المصري في المادة 57 على أن:

“للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس. وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقًا للقانون.”

بمعنى واضح، أن أي محاولة لمراقبة الهاتف أو الرسائل أو حسابات التواصل الاجتماعي بدون إذن من النيابة العامة أو المحكمة تُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.


ثانيًا: قانون العقوبات المصري وحماية الاتصالات

نظم قانون العقوبات المصري هذه المسألة في عدة مواد، أبرزها:

  • المادة 309 مكرر: تعاقب بالسجن كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، عن طريق التنصت أو تسجيل أو نقل المحادثات أو التقاط صور أو نشرها دون إذن صاحبها.

  • المادة 309 مكرر (أ): تشدد العقوبة إذا تم استخدام أجهزة أو أدوات خاصة بالتنصت أو التسجيل.

إذن، مجرد قيام شخص بتسجيل مكالمة أو الاطلاع على محادثات دون إذن قانوني، يُعد جريمة يُعاقب مرتكبها بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة مالية قد تصل إلى 100 ألف جنيه أو أكثر.


ثالثًا: قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (القانون 175 لسنة 2018)

هذا القانون يُعتبر حجر الأساس في حماية الخصوصية على الإنترنت.
ومن أهم مواده:

  • المادة 25: تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة تصل إلى 100 ألف جنيه كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري عبر الإنترنت.

  • المادة 76: تحظر مراقبة أو اعتراض أي بيانات أو معلومات على شبكة معلوماتية إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.

يعني ذلك أن مراقبة الواتساب، أو الفيسبوك، أو المكالمات، أو الرسائل الإلكترونية دون إذن قضائي، يُعد انتهاكًا صريحًا للقانون.


رابعًا: متى يجوز قانونًا مراقبة الموبايل أو السوشيال ميديا؟

القانون لا يمنح أي شخص الحق في المراقبة إلا في حالات محددة جدًا، وهي:

  1. بأمر قضائي مسبب من النيابة العامة أو قاضي التحقيق.

  2. أن تكون المراقبة مرتبطة بتحقيق في جريمة محددة مثل الإرهاب، التجسس، الابتزاز الإلكتروني، أو الجرائم الماسة بأمن الدولة.

  3. أن تكون لمدة محددة ومكتوبة رسميًا، لا يمكن تمديدها إلا بإذن قضائي جديد.

وبالتالي، لا يجوز لأي جهة – حتى الشرطة – مراقبة هاتفك أو حساباتك الشخصية إلا بعد صدور إذن رسمي من النيابة العامة.


خامسًا: الحالات التي تُعد جريمة مراقبة غير مشروعة

تُعتبر جريمة في الحالات الآتية:

  • مراقبة مكالمات أو رسائل شخص دون علمه أو إذن منه.

  • الاطلاع على محادثات “واتساب” أو “فيسبوك” أو “إنستجرام” لشخص آخر.

  • استخدام برامج تجسس أو تطبيقات لتتبع الهواتف أو تسجيل المكالمات.

  • مراقبة الزوج أو الزوجة لهاتف الآخر دون إذن أو مبرر قانوني.

  • جمع صور أو تسجيلات خاصة ونشرها على الإنترنت دون موافقة أصحابها.

في جميع هذه الحالات، يُعد الفعل جريمة انتهاك خصوصية يعاقب عليها القانون.


سادسًا: موقف القانون من مراقبة الأزواج لبعضهم

من أكثر الأسئلة شيوعًا:

هل يجوز للزوج أو الزوجة مراقبة هاتف الطرف الآخر بحجة الشك أو المتابعة؟

الإجابة: لا يجوز إطلاقًا، لأن القانون لا يستثني العلاقة الزوجية من حماية الخصوصية.
تسجيل المكالمات أو فتح الهاتف دون إذن صاحبه يُعتبر جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة.
وقد صدرت أحكام قضائية فعلية أدانت أزواجًا وزوجات بسبب تسجيل محادثات أو الاطلاع على رسائل شخصية دون إذن.


سابعًا: العقوبات القانونية لمراقبة الموبايل أو السوشيال ميديا

تختلف العقوبة بحسب نوع الفعل:

نوع الجريمة العقوبة المحتملة
تسجيل مكالمات أو تصوير دون إذن حبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى 100 ألف جنيه
اختراق حسابات أو تطبيقات تواصل حبس من سنتين إلى سبع سنوات وغرامة حتى 200 ألف جنيه
استخدام برامج تجسس أو تتبع بدون إذن حبس لا يقل عن 3 سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه
نشر تسجيلات أو صور خاصة على الإنترنت حبس وغرامة، وقد تصل العقوبة للسجن في حالة التشهير

ثامنًا: كيف تحمي نفسك قانونيًا من المراقبة أو الاختراق؟

  • لا تُشارك بياناتك أو كلمات المرور مع أي شخص.

  • استخدم المصادقة الثنائية لحساباتك على السوشيال ميديا.

  • بلّغ فورًا عن أي محاولة تجسس أو اختراق عبر الخط الساخن 108 التابع لوزارة الداخلية.

  • احتفظ بأدلة إلكترونية (سكرين شوت – رسائل – بريد إلكتروني) عند حدوث أي اختراق.

  • استعن بمحامٍ متخصص في قضايا جرائم الإنترنت لتقديم بلاغ رسمي للنيابة العامة.

  • استشارات فعالة للحماية من الابتزاز الإلكتروني.

تاسعًا: كيف تقدم بلاغًا عن مراقبة أو اختراق؟

يمكنك التوجه إلى مكتب مكافحة جرائم تقنية المعلومات في مديرية الأمن التابع لمحافظتك، أو التواصل عبر:

  • الخط الساخن (108).

  • موقع وزارة الداخلية (قسم جرائم الإنترنت).

  • محامٍ مختص الجرائم عبر الإنترنت.
  • أو عبر النيابة العامة مباشرة بتقديم مذكرة بواقعة المراقبة أو الاختراق.

يتم فحص الأجهزة والتحقق من مصدر التجسس، وتحديد هوية الجاني، وتوقيع العقوبة وفقًا للقانون.


عاشرًا: نصيحة المستشار القانوني إسلام حماد

لا أحد يملك حق مراقبة هاتفك أو حساباتك الشخصية إلا بإذن قضائي.

احمِ خصوصيتك، ولا تسمح لأحد بانتهاكها تحت أي مسمى.

وإذا تعرضت لأي محاولة تجسس أو مراقبة إلكترونية، فالقانون إلى جانبك، فقط تصرف بسرعة وقدّم بلاغًا رسميًا.

إن مراقبة الموبايل أو السوشيال ميديا بدون إذن قضائي تُعد جريمة مكتملة الأركان في القانون المصري، سواء قام بها فرد أو جهة.

القانون يحمي حرمة الحياة الخاصة ويجرّم أي فعل من شأنه التعدي على خصوصية الآخرين.

وفي المقابل، يُجيز المراقبة فقط في إطار قانوني منظم وبإذن قضائي محدد المدة والمضمون.

لهذا، فإن الوعي القانوني والالتزام بالضوابط هو الوسيلة الوحيدة لحماية نفسك وبياناتك من أي انتهاك.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.