عقوبة الإهمال الطبي في القانون المصري الجديد
الإهمال الطبي من أخطر الجرائم التي تمس حياة الإنسان وسلامته الجسدية، وهو موضوع يحظى باهتمام كبير من المشرع المصري، خصوصًا بعد التعديلات الأخيرة التي شددت العقوبات على الأطباء والممارسين الصحيين الذين يثبت تقصيرهم أو إهمالهم في أداء واجبهم المهني.
فالقانون المصري الجديد جاء ليوازن بين حماية المرضى وحقوق الأطباء، ويضع حدودًا واضحة للمسؤولية الطبية والعقوبة في حالة وقوع خطأ أو إهمال أدى إلى ضرر أو وفاة المريض.
ما المقصود بالإهمال الطبي؟
الإهمال الطبي هو التقصير في أداء الواجب المهني من قِبل الطبيب أو الممرض أو أي شخص يزاول مهنة الطب، بحيث يؤدي ذلك التقصير إلى إصابة المريض بضرر بدني أو نفسي أو وفاته.
ويتحقق الإهمال الطبي قانونًا في الحالات الآتية:
-
إذا لم يبذل الطبيب العناية اللازمة والمتوقعة منه.
-
إذا خالف الأصول العلمية أو الطبية المتعارف عليها.
-
إذا استخدم أدوات أو أدوية غير مناسبة لحالة المريض.
-
إذا أهمل متابعة الحالة أو ترك المريض دون إشراف طبي كافٍ.
- متابعة قانونية لقضايا السب عبر الهاتف.
الأساس القانوني لعقوبة الإهمال الطبي في مصر
ينظم قانون العقوبات المصري وقانون المسؤولية الطبية الجديد (قانون رقم 12 لسنة 2024) العقوبات المقررة للإهمال الطبي، حيث تم وضع قواعد دقيقة لتحديد المسؤولية وفقًا لمدى جسامة الخطأ والنتيجة المترتبة عليه.
العقوبات وفق القانون المصري الجديد
جاءت العقوبات مقسمة إلى ثلاث درجات بحسب نتيجة الإهمال:
1. إذا ترتب على الإهمال ضرر بسيط أو مؤقت للمريض
-
العقوبة: الحبس من 6 أشهر إلى سنتين، أو غرامة مالية تبدأ من 10 آلاف جنيه إلى 100 ألف جنيه.
-
مع إلزام الطبيب أو المنشأة بتعويض المريض عن الأضرار الناتجة.
2. إذا ترتب على الإهمال عجز دائم أو فقد وظيفة أحد الأعضاء
-
العقوبة: الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وغرامة من 100 ألف إلى 300 ألف جنيه.
-
مع إمكانية شطب الطبيب مؤقتًا من سجل المهنة إذا ثبت تكرار الإهمال.
3. إذا ترتب على الإهمال وفاة المريض
-
العقوبة: السجن من 3 إلى 10 سنوات.
-
وإذا كان الإهمال جسيمًا أو نتج عن استهتار واضح أو مخالفة صارخة للأصول الطبية، قد تصل العقوبة إلى السجن المشدد لمدة 15 سنة.
متى تتحقق جريمة الإهمال الطبي؟
لا يُعتبر كل خطأ طبي جريمة، فالقانون يفرّق بين الخطأ المهني والإهمال الجسيم.
وتتحقق الجريمة في الحالات الآتية:
-
إذا خالف الطبيب بروتوكولات العلاج أو التعليمات الطبية الأساسية.
-
إذا أجرى عملية دون التأكد من لياقة المريض الصحية.
-
إذا استخدم أدوات غير معقمة أو تهاون في الإجراءات الوقائية.
-
إذا تأخر في التدخل العلاجي رغم وضوح الخطر.
-
إذا ترك المريض دون متابعة بعد الجراحة أو صرف دواء خاطئ تسبب في مضاعفات.
المسؤولية المشتركة بين الطبيب والمنشأة الطبية
القانون المصري الجديد ألزم المنشآت الطبية (مستشفيات – مراكز – عيادات) بمسؤولية تضامنية مع الطبيب في حالة الإهمال.
بمعنى أنه إذا ثبت أن الإهمال ناتج عن:
-
نقص في الأجهزة أو الإمكانيات.
-
عدم توافر إشراف إداري كافٍ.
-
أو تقصير في تدريب الكادر الطبي.
فإن المسؤولية لا تقع على الطبيب فقط، بل تمتد إلى المنشأة الطبية ومديرها الفني، وتُوقع عليهم نفس العقوبات المالية والمدنية.
دور لجنة المسؤولية الطبية
نص القانون الجديد على إنشاء لجنة عليا للمسؤولية الطبية تتبع وزارة الصحة، تتولى:
-
فحص الشكاوى ضد الأطباء والمستشفيات.
-
إعداد تقارير فنية تحدد إن كان هناك إهمال أم لا.
-
رفع توصية للنيابة العامة قبل إحالة الطبيب إلى المحاكمة.
هذه اللجنة تضم أطباء واستشاريين قانونيين وخبراء في مجال الأخطاء الطبية لضمان الحياد والعدالة.
حق المريض في التعويض
إلى جانب العقوبة الجنائية، يحق للمريض المتضرر من الإهمال الطبي أن يرفع دعوى تعويض مدني ضد الطبيب أو المستشفى.
ويُقدَّر مبلغ التعويض بحسب:
-
حجم الضرر الجسدي أو النفسي.
-
تكاليف العلاج وإعادة التأهيل.
-
فقد الدخل أو القدرة على العمل.
-
الضرر المعنوي الناتج عن الألم أو المعاناة.
ويجوز الجمع بين العقوبة الجنائية والتعويض المدني في قضية واحدة.
كيف يثبت الإهمال الطبي أمام القضاء؟
يُثبت الإهمال الطبي من خلال:
-
تقرير لجنة المسؤولية الطبية الذي يحدد طبيعة الخطأ.
-
شهادة الأطباء أو المختصين.
-
السجلات الطبية وتقارير المستشفى.
-
الأدلة الفنية أو الفحوص الطبية للمريض.
القاضي لا يحكم بالعقوبة إلا بعد التأكد أن الخطأ الطبي جسيم ومخالف للأصول المهنية وليس مجرد خطأ عارض.
مبدأ التوازن بين حماية المريض والطبيب
القانون الجديد لا يستهدف معاقبة الأطباء بقدر ما يهدف إلى ضبط الممارسة المهنية وضمان العدالة للطرفين.
فالمريض له الحق في العلاج الآمن، والطبيب له الحق في الحماية من البلاغات الكيدية.
لذلك أوجب القانون عرض الشكاوى أولًا على لجنة المسؤولية الطبية قبل اتخاذ أي إجراء جنائي.
نصائح المستشار القانوني إسلام حماد للمرضى والأطباء
للمرضى:
-
احتفظ بكل الأوراق الطبية والفواتير والتقارير.
-
لا تتسرع في تقديم بلاغ قبل استشارة قانونية متخصصة.
-
في حالة الضرر الجسيم أو الوفاة، يجب التوجه فورًا للنيابة العامة مع تقرير طبي رسمي.
للأطباء:
-
التزم بدليل الممارسة الطبية المعتمد من وزارة الصحة.
-
دوّن كل تفاصيل الحالة في ملف المريض بدقة.
-
لا تُجرِ أي تدخل علاجي دون موافقة كتابية من المريض أو ذويه.
-
راقب تعقيم الأدوات والإشراف على طاقم التمريض.
إن الإهمال الطبي في القانون المصري الجديد لم يعد أمرًا بسيطًا أو قابلًا للتساهل.
فالعقوبات أصبحت صارمة، والمسؤولية أصبحت مشتركة بين الطبيب والمنشأة.
ويهدف المشرع إلى حماية حق المريض في العلاج الآمن، مع صون كرامة الطبيب وسمعته عبر لجان فنية وقضائية مختصة.
ولذلك، فإن الوعي القانوني والتزام المعايير الطبية هو الطريق الوحيد لتجنب الوقوع تحت طائلة القانون.